طوق الأكاليل في زهوق الأباطيل
إنَّ الحمد لله نَحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن مُحمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه
وسلم تسليماً كثيراً.
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ (آل عمران:102), يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (النساء:1), يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (الأحزاب:71),... أما بعد:
فإنَّ أصدق الحديث كلام الله, وخيرَ الهدي هديُ مُحمد , وشرَّ الأمور
مُحدثاتُها, وكلَّ مُحدثة بدعة, وكلَّ بدعة في ضلالة, وكلَّ ضلالة في النَّار.
هذه بعض الفوائد التي جَمعتها من خطبةٍ لفضيلة الشيخ عبد الرحْمن السديس حفظه الله, التي حَثَّ فيها الناس وخاصة طلاب العلم على التآلف ونبذ الفرقة والكف عن كل مَا مِن شأنه التفريق بين المسلمين من غيبة وهَمز ولَمز وغمز لعلماء الأمة السلفيين, والذي دعاني إلى إبراز هذه الفوائد والتعقيب عليها وإن كنت لست بأهل لذلك ولكن من باب قوله تعالى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ (الذاريات:55)؛ الذي دعاني لِهذا هو ما وصلنِي عن أحد الإخوة من الفهم الخاطىء المتعمَّد لِمَا جاء في هذه الخطبة المباركة؛ وإنزال ما جاء فيها على الأخوة السلفيين وخصَّ بالذكر (الطلاب), متناسياً أنَّه بصنيعه هذا؛ هو من وقع فيما حذر منه فضيلة الشيخ حفظه الله, وأقول لأخي هذا الذي راح يلصق التهم بإخوانه (الطلاب)؛ ويرميهم بأشنع الأكاذيب؛ ويصورهم بأبشع الصور؛ وكلامه عارٍ عن الصحة والحقيقة, ولا يَعْدُو عن كونه ضرباً من ضروب الزيف والخداع؛ وهو من أبطل الباطل, أقول له: إنَّ ما جاء في خطبة الشيخ عبد الرحْمٰن السديس حفظه الله؛ لَهو حقٌّ لا غبار عليه ولا شَكَّ فيه ولا ريبة تعتريه؛ ولا امتراء فيه, لكنَّ فهمك السقيم وعقلك البليد وبعدك عن العلم والعلماء ومُجالستك لأهل الزيغ والضلال هو من أوحى إليك بِهذه التُّرَّهَاتِ, وحَطَّ في خلدك مثل هذه الأغلوطات؛ من أنَّ ما جاء في الخطبة لينطبق على (الطلاب)؛ وٱيْمُ الله فإنَّها لَمِنْ نسج خيالك وافتراءاتك على الإخوة هناك - الذين نَحسبهم والله حسيبهم ولا نزكيهم على الله أنَّهم من أهل الصلاح والتقوى, ومِمن عُرِفَ عنهم التمسك بالكتاب والسنة على فهم السلف الصالِح رضوان الله عليهم - وأعانك عليها قوم آخرون فهي تُملى عليك بكرةً وأصيلاً, وأكاد بي أُدْرِكُ غرض هذا الإفك والبهتان وهذه الأكاذيب والافتراءات التي رميتهم بِها, ولكنِّي أكلها وأكل أمرك إلى الله علام الغيوب, يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي ٱلصُّدُورُ (غافر:19), سُبْحَانَكَ هَـٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (النور:16). وإنَّي لأعجب لِمن يزعم انتسابه إلى السلفية وهو يُخالف طريق السلفيين وفهمهم, فيا لله من هكذا زعم وهكذا انتساب
وهكذا فهم.
فإليك أخي بعض ما ذكره فضيلة الشيخ عبد الرحْمٰن السديس حفظه الله في خطبته؛ ولعلك تراجع نفسك فيما نسبته إلى الإخوة من أنه ينطبق عليهم؛ فتتوب إلى الله
وتستغفره, فأقول وبالله التوفيق وبه أستعين:
ذكر فضيلة الشيخ عبد الرحْمٰن السديس حفظه الله في خطبته ما يلي:
1. الشريعة دعت إلى المحبة والإخاء.
2. الشريعة دعت إلى الاعتصام بالكتاب والسنَّة.
3. حسن الخلق.
4. الحذر من الوحشة والتنافر.
5. التطاول على مقامات الإخوة والعلماء.
6. الازدراء والتعيير والتشهير.
وأقول لك: مَنْ مِنَ الإخوة (الطلاب) دعا إلى تفريق الأمة أو نادى إلى شَقِّ صفها أو أراد زرع سُموم الفرقة والتباغض؟!, ومَنْ مِنْهُم هَوَّنَ من أمر الاعتصام بالكتاب والسنة؟!, أو مَنْ مِنْهُم رَأَيْتَ مِنْه خُلُقاً تكرهه بِخلاف ما يَجب أن يكون عليه طالب العلم من حسن أخلاق؟!؛ ولو فرضنا أنَّك رأيت مِنْ بعضهم خلقاً لا يتوافق وأخلاق طالب العلم؛ لِمَ لَمْ تعمد إلى النصيحة كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنَّ «ٱلدِّين ٱلنَّصِيحَةُ», وكما قال صلى الله عليه وسلم: «ٱنْصُرْ أَخَاكَ ظَالِماً أَوْ مَظْلُوماً», بدل أن تُخالف أنت القاعدة بل وتكسرها وتقع فيما رميتهم به من حيث لا تعلم؟!, بل
إنَّه كما قيل: (رَمَتْنِي بِدَائِهَا وَانْسَلَّت).
وأي وحشة وتنافر تلك التي حذرت منها الشريعة؛ قد دعا إليها الإخوة, إلاَّ التنفير من أهل البدع وأنا على هذا من الشاهدين, وأسأل الله أن نكون للتحذير من أهل البدع من الفاعلين, وٱيْمُ الله إني قد كنت لألْحَظُ علامات التمعر والانزعاج بادية على وجهك كلما ذكر الإخوة بدعة حزبي بغيض أو مبتدع ضال, مِمن تكن لَهم الاحترام وتراهم قدوة لك, وكان حَرِيٌّ بك أن تقتدي بِمن هم خَيْرٌ منهم اعتقاداً ومنهجاً وسيرة, من علماء الأمة الأعلام, كابن باز وابن عثيمين والألباني رحِمهم الله وغيرهم مِمَّن نَحا نَحو
السلف الصالِح رضوان الله عليهم؛ وانتهج نَهجهم.
إنَّ من قصدهم وعناهم فضيلة الشيخ عبد الرحْمٰن السديس حفظه الله هم من كانوا على شاكلة من تُحب, وتَأْلَمُ للقدح فيهم أو جرحهم؛ من الحزبيين والخارجين على ولاة
الأمر وهم كذاك والله, يلمزون العلماء ويتطاولون عليهم ولا يَحترمون مقاماً لعالِم.
وإنَّك قد بَهتهم فيما زعمت من إطلاق هذا عليهم, من أنَّهم لا يَحترمون ولا يُجِلُّون عالِماً, وإنَّ من ترمي إلى وصفهم بالعلماء ما هم إلاَّ أهل بدع وضلالات تعرفهم
وتراهم قدوتك دون غيرهم من علماء الأمة الأفاضل, فبئست القدوة والمقتدي.
وإنَّ الجرح والقدح في أهل البدع ما صدر إلاَّ عن علماء أجلاء ومشايخ فضلاء نُكِنُّ
لَهم كُلَّ احترام وتقدير كفضيلة الشيخ عبد العزيز ابن باز, والشيخ ابن عثيمين, والشيخ الألباني, والشيخ عبد العزيز آل الشيخ, والشيخ صالِح اللحيدان, والشيخ صالِح الفوزان, والشيخ الغديان, والشيخ صالِح آل الشيخ, والشيخ ربيع المدخلي, والشيخ أحْمد النجمي, والشيخ زيد المدخلي - رحم الله من توفي وحفظ من لا يزال حياً -, وغيرهم مِمَّن يسير على منهج السلف الصالِح رضوان الله عليهم؛ من علماءنا الأجلاء ومشايِخنا الفضلاء, وأنَّ ما قالوه ما هو إلاَّ لبيان الحق ونصرة الدين, ونَحن إذ نكرر ما قالوه من القدح في أهل البدع؛ ما هو إلاَّ عمل ندين الله به ونبتغي به القربة إلى الله تبارك وتعالى,
ولا يدخل هذا فيما قاله الشيخ عبد الرحْمٰن السديس - حفظه الله- بِحال من الأحوال.
7- وقال فضيلة الشيخ عبد الرحْمٰن السديس حفظه الله:
«وإنَّ الرَّزِيَّةَ لتعظم حين يكون ذلك على قصد الازدراء والتعيير, والسلب والتشهير, عبر قنوات سيارة, من صحف ومَجلات, وفضائيات وشبكات معلومات, بكل تَخَلٍّ عن التورع والتأثُّم, يقول صلى الله عليه وسلم مُحذراً ومتوعداً: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ ٱلإيِمَانُ قَلْبَهَ؛ لاَ تَغْتَابُواْ ٱلْمُسْلِمِينَ وَلاَ تَتَبَّعُواْ عَوْرَاتِهِمْ, فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَاتِهِمْ تَتَبَّعَ ٱلله ُعَوْرَتَهُ وَمَنْ تَتَبَّعَ ٱلله ُعَوْرَتَهُ يَفْضَحُهُ ٱلله ُوَلَوْ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ» أخرجه أحْمد وأبو داود والترمذي, وقال الإمام أحْمد رحِمه الله: «ٱلْوَقِيعَةُ فِي أَهْلِ ٱلْعِلْمِ وَلاَ سِيَّمَا أَكَابِرَهُمْ مِنْ كَبَائِرِ ٱلذُّنُوبِ», وقال مالك بن دينار:«كَفَىٰ بِٱلْمَرْءِ شَرّاً أَنْ لاَ يَكُونَ صَالِحاً وَهُوَ
يَقَعُ فِي ٱلصَّالِحِينَ»إ.هـ.
أقول لك: ألاَ ترى أنَّ فضيلة الشيخ عبد الرحْمٰن السديس حفظه الله قصد أولئك الحزبيين الذين يكيلون للعلماء الشتائم والسباب ويلمزونَهم بالألقاب النابية وما ذلك إلاَّ لاستهوانِهم واستخفافهم بالعلماء والحطِّ من مكانتهم, فمَنْ مِنَ الإخوة (الطلاب)- الذين رميتهم بِهذه الفرية الشنيعة -؛ مَنْ منهم قد فعل ما فعله أولئك الحزبيون الذين عناهم فضيلة الشيخ السديس حفظه الله؟!, فما أراك ترمي إلاَّ إلى كلامهم في أهل البدع الذين أنت مُتَأَسٍّ بِهم وتعرفهم كمعرفتك أنَّك ظَالِمٌ لنفسك باتِّهامك لإخوانك بِما هم برآء منه, وأقول لك بأنَّ الحديث الذي أورده فضيلة الشيخ عبد الرحْمٰن السديس حفظه الله في الخطبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ والذين عناهم في الحديث بقوله: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ ٱلإيِمَانُ قَلْبَهَ» هم المنافقين؛ ولكنَّك أنت لَم تدرك من هم (المسلمون) الذين عناهم الرسول في الحديث, لَم تدرك أنَّهم أهل السنة والجماعة الذين اتبعوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على فهم السلف الصالِح رضوان الله عليهم وهم القرون المفضلة التي أخبر عنها رسول الله ومن نَهَجَ نَهجهم؛ فهل مِن أهل البدع - الذين تَأْلَمُ لَهم إن جُرِحُوا - مَن هو على فهم السلف الصالِح بِجرحه لعلماء الأمَّة الربانيين؟! أو التهجم على ولاة الأمر؟!, وأنت تعلم تَمام العلم أنَّ القدح في أهل البدع لا يدخل فيما قاله فضيلة الشيخ عبد الرحْمٰن السديس حفظه الله, بل أنَّ ما قاله لَهو منطبق على أهل البدع والضلال, وعلى أستاذك الظالِم لنفسه الذي هو أقرب مثال وأوضح صورة؛ فلو أنَّه حقيقةً يعنِي ما قاله فضيلة الشيخ عبد الرحْمٰن السديس - حفظه الله - من التآخي والتآلف؛ لِمَ لاَ يَحضر مَجالس العلماء السلفيين الربانيين؟! ولِمَ لاَ يَحُثُّ الطلاب على حضور دروسهم والاستماع إليهم والأخذ عنهم بدلاً من تنفيرهم من العلماء وهم عن يَمينه ويساره وبين ظهرانيه؟!, وأنت تعلم علم اليقين أنَّه كل ما قدم إلى المنطقة (ناعق سوء) - كصاحب الخنفشار مثلاً؛ وغيره كثير - تَهافت عليه هو وأقرانه تَهافت الذباب على الجيف, وسارعوا إلى حشد الطلاب والزجِّ بِهم إلى الاستماع لِمحاضرات تافهة غالبُ ما يدور فيها النكت والفكاهات؛ والضحك والقهقهات, والقصص الفارغة -على عادة القُصَّاص- ولا يَخرج منها (طالب العلم) - زعموا- بأدنى فائدة علمية تذكر, بينما العلماء الربانيون والمعلمون السلفيون موجودون,
ولكنهم يَخافون مَجالسهم ويَحْذَرُون مُجَالَسَتَهُم.
ثُمَّ أين أنت من مَجالس العلماء السلفيين, يا من طعنت في خيرة طلابِهم وأبنائهم؟!,
أو ليست الطيور على أشكالِها تقع؟!, مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ؟! (القلم:36).
وإنِّي لأُذَكِّرُكَ بالأثر الذي أورده الشيخ السديس حفظه الله في خطبته هذه عن مالك
ابن دينار والذي ينطبق عليك تَماماً, إذ لو كنت صالِح المنهج مَا طَوَّعَتْ لك نفسك النيل من أعراض إخوانك السلفيين, ولصُنْتَ لسانك من الوقيعة في أعراض إخوانك, وإنَّه لشتَّانَ بين الوقيعة في أعراض العلماء والوقيعة في أعراض أهل البدع, فإخوانك عرفوا قدر العلماء الأكابر الأفاضل الأَجِلاَّء وحفظوا لَهم مقاماتِهم, وفَرَوْا بألسنتهم أهل البدع ونسأل الله أن يَجعلنا وإياهم مِمن يبتغون بِها القربة إليه تبارك وتعالى, بينما أنت على العكس تُجِلُّ أهل البدع وتقتدي بِهم وتَحترمهم بل وتكاد تنافح عنهم, وما أراك
إلاَّ قد فعلت بفريتك هذه على إخوانك وانتصرت لقدوتك ورموزك.
فمن تُراه أحق باللوم؟!؛ ومن هو أحق بأن يقال عنه ما قلته أنت عن إخوانك؟!, فاتق الله يا أخي وعد إلى رشدك. أَتُرَاهُم هم الذين يداهنون الحزبيين ويُجَالِسُونَ أهل الأهواء والبدع؟!؛ ألست أنت الذي نقلت عنهم هذا الإفك وهذا الباطل الذي لُقِّنْتَهُ منهم؟!. أمَا ترى أنَّك ظلمت نفسك مرات عديدة؟!؛ فظلمت نفسك بِمجالسة أهل البدع وأهل الأهواء والزيغ, وباستئناسك بِهم والنقل عنهم؛ وظلمت نفسك بقنطرتك لرؤوس الضلال ودفاعك عنهم؛ وظلمت نفسك بظلمك (للطلاب) وافتراءك عليهم بأنَّ كلَّ ما جاء في خطبة فضيلة الشيخ عبد الرحْمٰن السديس حفظه الله هو ينطبق عليهم,
فسبحان الله العظيم!!.
ما هذا إلاَّ خداع وكذب وتزييف للواقع, وإنَّه لعذر أقبح من ذنب؛ إذ تُوهِمُ بأنَّك ما قصدت هذا من كلامك الذي رميت به الأبرياء. أفلم تكن تعلم بأنَّ الله مُخْرِجٌ ما تُكِنُّ نَفْسُكَ المريضة لَهم؛ ألاَ ترى أنَّ كلَّ ما جاء في خطبة الشيخ السديس هو واقعك أنت, حيث أنَّك تُجَالِسُ مرضى القلوب وتَرْكَنُ إليهم وتأخذ عنهم, وهم يعلمون تَمام العلم أنَّ ما قاله فضيلة الشيخ عبد الرحْمٰن السديس حفظه الله لينطبق عليهم هم؛ فهم الذين يلمزون ويهمزون ويغمزون العلماء السلفيين الربانيين بل ويُحَذِّرُون من الاستماع إليهم أو حضور مَجَالِسِهم ومُحاضراتِهم ودروسهم؛ فبأي حقٍّ تُطَوِّعُ لك نَفْسُكَ أَن ترمِيَ الشرفاء النُزَهَاء بِما هم بريئون منه؟!. وأقول إنَّ مَنْ أعطاك تلك الخطبة لتوزعها إنَّما كان حقاً أراد به باطلاً ولكنَّ الله مظهرٌ ما في نفسه من أحقاد ودسائس يَحيكها هو ومن كان على شاكلته للسلفيين الثابتين على الحق - بإذن الله- الساطع سطوع الشمس في وضح النهار؛ الرافضين لِما هو عليه من الباطل الداحض الحجة, وٱيْم الله فلو كان من أهل الخير لَمَا قلب لك الحقائق التي يعلمها علم اليقين؛ ولَبَّسَ عليك الباطل حتى أزاغ بصرك وبصيرتك عن الحق وَجَرَّأَكَ على أن ترميَ إخوانك بِهذه التهمة التي إنَّمَا هي تطابق حال من أعطاك الشريط؛ والذي كان يرمي إليه هو الدفاع عن أهل السوء الذين يطعنون في العلماء وولاة الأمر؛ أولئك الذين يَمشون على قاعدة (وِحْدَةُ ٱلصَّفِ لاَ وِحْدَةُ ٱلرَّأي), والذي كان أول من أتى بِهذه العبارة هو (الحسن البنا) إمام أستاذك وقدوته؛ وذلك بصيغة أخرى حيث كان يردد في اجتماعات الإخوان المسلمين - وحقيقة أمرهم أنَّهم مفلسون- فكان يقول: (نَجتمع فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه)؛ فهذا الصنف وهم المبتدعة هم من قصدهم وعناهم فضيلة الشيخ عبد الرحْمٰن السديس حفظه الله مِمَّن أنت تعرفهم ويعرفهم أستاذك؛ السيئ منهجاً التافه أخلاقاً. وٱيْم الله إنَّه لظالِم لنفسه في توليه التوعية الإسلامية في نشاط الطلاب؛ بل وتدريسه للطلاب أيضاً لَهو ظلم آخر؛ حيث أنَّه على ما ذكرناه عنه؛ مُخالف لأئمة السنة والجماعة في كل ما قرروه في ذكر أهل البدع والضلال وذمهم والتحذير منهم ومن مُجالستهم والركون إليهم, فكيف بِكَ أنت يا من تدعي السلفية وتُجالس السلفيين وتعاشرهم وتآكلهم وتشاربُهم؛ كيف تَرْكَنُ إلى شخص حاله ما ذكرنا وما لَم نذكر؛ فما خفي كان أعظم؟!, بل وتُجَالِسُه وتنقل عنه وتُثْنِي عليه الثناء العجيب؛ من أنَّه يَعْنِي ويريد ما قصده فضيلة الشيخ عبد الرحْمٰن السديس حفظه الله في خطبته من الحث على الأُخُوَّة والتآلف وعدم الوحشة والتنافر؟!؛ وفوق هذا وذاك؛ تتلقن عنه حجة مريضة وفِرْيَةً وبُهتاً عظيماً وترمي به إخوانك السلفيين؟!, ألا تَرَى معي أنك وقعت فيما عليه أستاذك؟!, وأنَّه لاَ يَحُكُ جِلْدَكَ مثل ظفرك؟!, ألاَ تَرَى مَعِيَ أنَّ السحر قد انقلب على
الساحر؟!, فسبحان الله العظيم!!!.
وَمَنْ يَكُنِ ٱلْغُرَابُ لَهُ دَلِيلاً يَمُرُّ بِهِ عَلَىٰ جِيَفِ ٱلْكِلاَبِ
8- ثُمَّ قال فضيلة الشيخ/ عبد الرحْمٰن السديس حفظه الله:
«فما بال أقوام من أهل الملة الواحدة هداهم الله؛ من تكون غاية دنياه وأكبر هَمه ومناه تتبع العثرات وتصيد الزلاّت والنفخ في الهنات الهيِّنَات والتشهير بِها عبر المجالس والمنتديات, لا يفتئون هَمْزاً؛ ولا ينفكون لَمْزاً؛ ولا يبرحون غَمْزاً, دَيْدَنُهم التشويش ومطيتهم التحريش وسجيتهم الإثارة والتهويش, قاموسهم سوء الظن, ومعاجِمهم الأذى والمن, يبادرون بالاتْهام, ويستعجلون بالجفاء والاصطلام, يكثرون الوقيعة والعتاب ولا يتورعون عن الشتائم والسباب, يطعنون إخوانَهم في الخواصر, ويصوبون سهامهم تلقاء القفا, إذا رأوك في نعمة حسدوك, وإن تواريت عنهم اغتابوك, إن يسمعوا هفوة طاروا بِها فرحاً, وما علموا من صالِح كتموا, يعملون ليل نَهار؛ على الحطِّ من الأقدار, والنيل من الكفاءات, وتشويه صورة البرآء, الأخيار النُّزَهَاء, يتحركون كالخفافيش في الظلام, ويعملون خلف الكواليس, تَنَكَّرَت منهم الوجوه والقسمات, وتغيرت البسمات, واصفرت السبحات, في الرخاء أحبة أخلاء, وفي الشدة أعداء ألداء, يستوي في ذلك الأقرباء والأصفياء, لا يلتمسون المعاذير, ويسعون لإسقاط أهل الفضل والمشاهير, يبثون
عنهم الشائعات, ويَختلقون ضدهم الوشايات».إ.هـ.
وأقول لك يا من تدعي أنَّ كلام الشيخ عبد الرحْمٰن السديس حفظه الله ينطبق على
(الطلاب)؛ هل غاية دنياهم وأكبر هَمِّهِم ومُنَاهُم تتبع العثرات وتصيد الزَّلاَّت والنفخ في الْهِنَات الْهَيِّنَات والتشهير بِها عبر المجالس والمنتديات؟!, أتدين الله سبحانه وتعالى بأنَّ هذا هو حال الإخوة (الطلاب)؟!, فما أراك إلا طبلاً أجوفاً يُرَدِّدُ مَا لُقِّنَ دون وعي ولا إدراك لِما يقول, وما هذا إلا نِتَاجُ جهلك وبُعدك عن العلم والعلماء, ومُجالستك لقرناء السوء عياذاً بالله؛ من المخالفين؛ المبغضين لعلماء الحق الذين يصدعون بالحق وبه ينادون ولاَ يَخافون في الله لَوْمَةَ لاَئِم؛ من علماءنا الأجلاء الذين نُكِنُّ لَهم كُلَّ تقدير واحترام في هيئة كبار العلماء وغيرهم من المشايخ الفضلاء, الذين ينادون إلى الأُخُوَّة والتآلف على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بفهم السلف الصالِح, ونبذ الفرقة والعصبية؛ والحزبية البغيضة, التي أتى بِها من اقتديت بِهم وجعلتهم أسوة لك دون غيرهم من العلماء السلفيين الربانيين, وآثَرْتَهُم مَثَلاً لك واحتذيت بِهم ونَحوت نَحوهم؛ مِمن
عميت بصائرهم, ورُبَّ مبصرٍ وهو أعمى البصيرة.
ثُمَّ مَنِ الذي لا يَفْتَأُ هَمزاً ولا ينفكّ لَمزاً ولا يبرح غمزاً سوى أستاذك الذي نقلت عنه؛ ومن كان على شاكلته من الفئة الضالة الظالِمة؛ والزمرة المفتونة الفاتنة التي هي من هدمت عقول الشباب بِما يلقنونه لَهم من كلام أشياخهم الضلال, أهل التقعيد, شياطين الإنس الذين يسعون جاهدين لِهدم شباب هذا البلد وتغريبهم عن عقيدتِهم السلفية السمحة؟!, وقد رأينا نتاج فكرهم الهدَّام وما آل إليه حال الشباب الذين فتنوهم وحَرَّضُوهُم ضِدَّ ولاة أمرهم وعلمائهم, من تفجيرات مروعة واغتيالات ظالِمة, فلاَ أَحَدَ يَجهلُ أنَّ مَا قاموا به لاَ يَمُتُّ إلى الدين الإسلامي الحنيف بأيِّ صلة, وليسوا هم مِمَّن يَجْهَلُ أنَّ هذا الفعل ينافي تعاليم ديننا وعقيدتنا السلفية, فهؤلاء وأشياخهم ومن يُنَظِّرُ لَهم هم من يَجب التحذير منهم, وهم من عناهم فضيلة الشيخ عبد الرحْمٰن السديس حفظه الله, وهم من يُحَذِّرُ منهم إخوانك (الطلاب) الذين رَمَيْتَهُم أنت بِهذه الفرية الباطلة, وهذا إن دلَّ على شيء فإنَّما يدل على سوء نية أستاذك وتلبيسه عليك الحق
بالباطل, وقَلْبِه لك حقائق الأمور.
صحيحٌ أنَّ ما دعا إليه فضيلة الشيخ عبد الرحْمٰن السديس حفظه الله هو الحث على
التآخي والتآلف والتحذير من الوحشة والتنافر؛ ولكن على أيِّ شَيْءٍ يكون التآخي والتآلف؟! أليس على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى فهم السلف الصالِح؟!, أم أنَّ التآخي عندك هو ما عناه أستاذك على قاعدة إمامه (الحسن البنا) التي مفادها السكوت عن أهل البدع وعدم جرحهم وقدحهم, بل السكوت عن أخطائهم؟!
فسبحان الله العظيم والله المستعان على ما يصفون.
ألِهذا الحد وصل بك الأمر؟!, ألِهذه الدرجة بلغ بك الجهل؟!, ألِهذه المرحلة وصلت
بك الجرأة والسفه أن تطعن إخوانك في ظهورهم؟!, وتذمهم على غير هدى ولا حجة
إلاَّ أنك شُحِنْتَ ضدهم من ذلك الرعديد؟!.
فٱعلم هداك الله ورَدَّكَ إلى الحق والصواب رَدّاً جَميلاً؛ أنَّ الطعن في الظهور أنت من فعله بفريتك هذه على إخوانك, كما هي عادة أستاذك ومن كان على شاكلته الذين
دَيْدَنُهم التحريش والتهويش.
وأمَّا سوء الظَّنِّ؛ فٱعلم أنَّ سوء الظَّنِّ هو عادة كل سلفي في أهل البدع, وأنَّ أيَّ مبتدع يدعو إلى بدعته وحتى الذي لا يدعو إلى بدعته؛ لا يُأمنُ جانبه ولا يعامل إلاَّ بِما يظهر منه وتُوكَلُ سرائره إلى الله تبارك وتعالى, وأنَّ من أظهر لنا خيراً عُومِلَ بالمثل, ومن
أظهر لنا شراً فلا تُأْمَنُ بَوَائِقُه, ولا يُحكم عليه إلاَّ بِما ظهر منه, ولا تَنْسَ أنَّه:
وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ ٱمْرِأٍ مِنْ خَلِيقَةٍ وَإِنْ خَالَهَا تَخْفَىٰ عَلَىٰ ٱلنَّاسِ تُعْلَمِ
9- ثُمَّ قال فضيلة الشيخ عبد الرحْمٰن السديس حفظه الله:
«يتخيرون لذلك بعض المواقع العنكبوتية بل سَمِّهَا الثعبانية الفتاكة, زاعمين بيان الحق والإصلاح؛ والواقع أنَّهم مثل الذباب يراعي موقع العلل, ولا يبالون أن يكون جَمعهم من قالة السوء والمجاهيل, أو من ثنايا مؤلفات لَم يطأها قلم التنقيح ولَمْ يَخطها يراع النسخ والتوضيح, وعلى إثر تلك الأوهام والهفوات التي تقبل التأويل والاغتفار في غدير الحسنات يكون الولاء والبراء والهجر والجفاء والود والعداء عبر التصنيف والتعصب
والتحيز والتحزب»إ.هـ.
أقول: أليس من الغريب أنَّك تزعم أنَّ هذا الكلام ينطبق على (الطلاب) في حين أن مواقعهم ومنتدياتِهم هي مَجالس الشيخين؟! -رحِم الله من مات وحفظ من بقي-, ألا ترى أنَّ المواقع والمنتديات التي قصدها وعناها فضيلة الشيخ عبد الرحْمٰن السديس حفظه
الله هي مواقع الحزبيين المبتدعين الخارجين على ولاة أمرهم.
أخي؛ لا أريد أن استطرد في سرد الخطبة كاملة, لأنَّ فيما ذكرت منها كفاية, وما بينته أرجو أن يكون قد أَدَّى الغرض, فأوصي نفسي وإياك بالصدق مع الله تبارك تعالى, والحرص على طلب العلم النافع, وأحذرك من التلوُّن, فإنَّ عواقبه مُرَّةٌ وخيمة. فما هذه إلاَّ نصيحة, وإن كان فيها نوع من الشدة إلاَّ أني أرجو أن تكون قد أَتَتْ على مَكْمَنِ الداء وباشرته, ولعلك ترجع إلى نفسك فتلومها على ما بدر منك ٱتُجاه إخوانك من افتراءك عليهم, وتستغفر الله تبارك وتعالى؛ وتعتذر منهم وتطلب العفو والصفح من الله تبارك وتعالى, والله أسأل أن يردك إلى الحق ردَّ التائبين المستغفرين الأوابين الرجَّاعين, وأن ينير بصائرنا وأبصارنا على طريق السنة بفهم السلف الصالِح, رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ, رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي
ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ.
وصلى الله على نبينا مُحَمَّدٍ وعلى آله وصحبه ومن ولاه واتبعه واقتفى آثاره واهتدى
بِهديه واستن بسنته إلى يوم الدين, وسلَّم تسليماً كثيراً.
كتبها أخوك في الله
هَادِي بِنْ قَادِرِي حُسَيْن مُحَجَّب
8 / 5 /1424هـ
ملحق طوق الأكاليل
هذا ما كنت حَرَّرته في حينه في نصيحتي لك (طوق الأكاليل), في عام أربعة وعشرين وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام. وكنت آمل أن تصلك في حينها, حتى تكشف لك بعض الغشاوة التي ٱعْتَرَتْكَ؛ نظراً لِبُعْدِكَ عن مواطن العلم والتعليم, وفقاً لِمنهج السلف الصالِح في أخذ العلم عن أهله.
ولكنَّ إرادة الله تعالى فوق كل شيء.
ولكنَّ الذي بدا لي - ولَم أفاجئ به- أنَّ حالك ما راح يَحدوه إلاَّ شيء يُكِنُّهُ صدرك - الله به عليم- نَحو منحدرٍ خطير؛ ومزلقٍ حاد, ذلك بعد ما صَدَرَ منك إِبَّانَ جلستنا التي كنَّا جلسناها بِمجلس الأخ الفاضل (!) - حفظه الله- ورعاه في ليلة الخميس الموافق للسابع والعشرين من شهر الله الْمُحرَّم من عامنا هذا الثامن والعشرين بعد الأربعمائة وألف للهجرة النبوية صلوات ربي وسلامه على صاحبها. عاد بك لسان حالك ومقالك ليظهر لنا بكلِّ جلاء ووضوح مدى ومقدار الثورة والغليان اللذان يَختلجان بصدرك؛ على إخوانك طلاب الشيخين رحِم الله من مات وحفظ من بقي حين قلتَ -وكثيرٌ من قولك أُعِفُّ لساني عن التفوه به-: (أنَّ سُمْعَةَ
الشيخين ما شَوَّهَهَا إلاَّ طُلاَّبُهما), وغير هذا كثير يأتي إن شاء الله تعالى.
ولولاَ مَنْزِلَةُ صاحب المجلس وقدره عندي؛ لرأيتَ مِنِّي تعاملاً لَم تكن تألفه مِنِّي قبل, لأنَّه تعالى جَبَلَ أناساً على كراهة أصحاب التَلَوُّن, وما العبد الفقير إلاَّ واحداً مِمَّن يكرهون أصحاب التَّلَوُّن؛ نسأل الله أن يعافيك مِمَّا ابتلاك به, والحمد لله تبارك وتعالى الذي عافانا مِمَّا ابتلاك به, وقد بَيَّنَ صلى الله عليه وسلم خطورة ذي الوجهين بقوله: «تَجِدُ مِنْ شَرِّ ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِنْدَ ٱللهِ ذَا ٱلْوَجْهَيْنِ ٱلَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ
وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ»(1).
ــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري في صحيحه بالأرقام (7179,6058,3494). ومسلم برقم (2526).
وقد أخبرني من كنت تكلَّمتَ عندهم بِهذا الأمر أنَّك افتريتَ علَيَّ مرتين, مرة بقولك أنِّي قلتُ عمن قال: «أنَّ المبتدع لا يقال عنه مبتدع حتى يتوفاه الله؛ فيُنْظَر بِمَ ختم الله له» أنِّي قلتُ عنه مبتدع, وهذه فرية افتَرَيْتَها علَيَّ, ويعلم الله أنِّي ما قلتُ هذا؛ وأنت تعلم كذلك أنِّي ما قلته, ولكنِّي قلتُ أنَّه أخطأ بِهذا القول, وهذا حقٌّ؛ إذ لَم يقل أحدٌ من أهل العلم بِهذا القول؛ لا من المتقدمين ولا من المتأخرين ولا من القرون
المفضَّلَة.
والفرية الثانية هي قولك عندما سُئِلْتَ: من قال عن هذا القائل أنَّه مبتدع؟ فقلتَ: «صاحبُ هوى», وأنا والله ما جعلتك في حِلٍّ يوم العرض على الله, ومثلك يعلم أنَّه لابُدَّ من القِصَاص, كما في الحديث عن أبي هريرة، أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «لَتُؤَدُّنَ ٱلْحُقُوقُ إِلَىٰ أَهْلِهَا يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ, حَتَّىٰ يُقَادَ لِلشَّاةِ ٱلْجَلْحَاءِ مِنَ ٱلشَّاةِ
ٱلْقَرْنَاءِ»(1).
فها أنا ذا أعطيكها مرفقة مع النصيحة الثانية (الرد الجري)؛ فإمَّا أن تعتذر عمَّا بدر منك ٱتُجاه إخوانك؛ وتقولَ جاهلٌ أزرى به جهله, أو تكونَ كمن فتح على نفسه كُوَّةً
لا سبيلَ له إلى غلقها.
سائلاً الله تعالى أن ينفعك بِها, وأن يهدِيَ قلبك وقلوبنا للتي هي أقوم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا مُحمد وعلى آله وصحبه أجْمعين
ــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم في البِرِّ والصلة الآداب, باب تَحريِم الظلم.
الرَّدُّ الجري على المفتري المجتري
إنَّ الحمد لله؛ نَحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أنَّ مُحَمَّداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه
وسلم تسليماً كثيراً.
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ (آل عمران:102), يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (النساء:1), يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (الأحزاب:71),... أما بعد:
فإنَّ أصدق الحديث كلام الله, وخيرَ الهدي هديُ مُحمد , وشرَّ الأمور
مُحدثاتُها, وكلَّ مُحدثة بدعة, وكلَّ بدعة في ضلالة, وكلَّ ضلالة في النَّار.
مِنْ جديد يَأْبَىٰ كُلُّ رويبضة إلاَّ أن يرغم أنفه فيما ليس له به علم, فها قد مضت أربعٌ من السِّنِيِّ أو قريبٌ منها منذ أن طَوَّقْتُك أخي المَعْنِيَّ بالكلام بـ(طوق الأكاليل)؛ الذي ما إخاله وصلك؛ وحتى إن وصلك فما أظنُّك قبلُ وبعدُ سترعوي عن تَماديك في
أعراض إخوانك طلبة الشيخين رحِم الله من مات وحفظ من بقي.
فإذ أصفك مُجْتَرِئاً هذه المرة؛ فلكون سابقتها كانت في القفا؛ أمَّا الحالَّةُ مَرَّتَنَا هذه فلكونِها صريِحة وجهاً لوجه؛ وبِحضرة الثقات - أَحْسِبُهم هكذا وحسيبهم الله تعالى ولا أزكي عليه تبارك وتعالى أحداً- وهنا الفرق البائن, وإن كنتَ قد أنكرتَ سابقتها - كما
هي عادة أهل التَّلَوُّن- فالمرة لات حين مناص.
وإذ أصفك مفترياً هذه المرة؛ فالحق أقول أنَّها قليلة في حَقِّكَ نسبةً إلى ما رميتَ
به إخوانك لو فَقِهْتَ معناها كلمةً أنت راميهم بِها.
فاعلم أنِّي قد حادَثْتُكَ أخي بتلميحٍ وتعريض؛ بغية الإخلاص والتمحيض, لكنْ إذا لَمْ يكن عن الكي بدٌّ؛ فلم يبقَ إلا التصريح مِثْلاً بِمِثْل, ونصحاً إزاء قبح, ومن الغبن ألاَّ
أُمَحِّضَكَ النصح.
أمَّا مُخَاطِبُكَ أخي؛ فلا يأبه حيال مَلاَصِقِكَ فيه من قليلٍ أو كثير؛ بِحَقٍ أو باطل,
لأنَّ ما بينك وبينه إلاَّ مِثْلَ المتنبي في قوله:
وإذا أتتك مذمَّتي من ناقصٍ...؛ ومن ثَمَّ اللبيب بالإشارة يفهم.
وقول الشاعر أيضاً:
هاعٍ يُمَظِّعُني ويُصْبِحُ سادِراً سَدِكاً بلَحْمِي ذِئْبُه لاَ يَشْبَعُ
وقد يَسألُ سائل فيقول: قد نعلمُ كيف يكون إلصاقُ باطلٍ بالغير كثيراً أو قليلاً,
فكيف بالحق إلصاقاً بالغير؟!.
أقول: - تَنَزْلاً إنْ كان ما قد قيل على حد زعم القائل صحيحاً - تَعَمُّدُ ترك النصيحة إن صَدَرَ مِنِّي ما يستوجبها - والكامل الله تبارك وتعالى-, انطلاقاً من قوله صلى الله عليه وسلم: «ٱلدِّينُ ٱلنَّصِيحَةُ», وقوله صلى الله عليه وسلم: «ٱنْصُرْ أَخَاكَ ظَالِماً أَوْ مَظْلُوماً» الحديثان, ثُمَّ الْمَيْلُ إلى القيل والقال؛ والتسلي بِهَا, فهذا صنيعٌ لا يَحسنه إلاَّ التافه من الناس؛ قد يوغِرُ القلوب, إذ ما من عبد إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الرحْمٰن يقلبه كيف يشاء؛ ولكنْ نعوذ بالله من بواعثِ الغلِّ والأحقاد والضغائن؛ وَٱلَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإيِمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ
لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (الحشر:10).
وأَصُونُها نفسي عن مُجاراتك في خلق دنيء, وكان الواجب عليك صون نفسك
عن ذلك أيضاً, ولكن صدق القائل إذ يقول:
قَدْ ضَلَّ مَنْ كَانَتِ ٱلْعُمْيَانُ تَهْدِيه.
وكان الحديث قد تركز حول موضوعات كثيرة من أهَمها ما يلي:
أولاً: كنَّا قد تكلمنا على مسألة تعيين الأئمة في الحرمين الشريفين؛ وشروط
التعيين هناك, فذكر لي بعض الإخوة الحاضرين في المجلس أنَّه لا يشترط في المتقدم أنْ يكون من حَملة الشهادات العالية, فقلت من باب السؤال والاقتراح في ذات الوقت: (المهم أنَّ اللجنة القائمة على التعيين تشترط أو تنظر إلى كون المتقدم صاحب عقيدة
سلفية), فباشرتني الكلام بقولك: (كلُّ أئمة الحرمين سلفيين وما أحد يطعن في
عقيدتِهم).
سبحان الحيِّ القيوم؟!!. وإنِّي لأسألك الآن وكما قلت لك حينها؛ هل تفهم من كلامي أنِّي أطعن في أئمة الحرمين؟! فإمَّا أنَّك صاحب فهم متبلِّد, وإمَّا أنَّك صاحب طَوِيَّةٍ خبيثة, وإنِّي أحيل الحكم إلى الله علاَّمِ الغيوب يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي ٱلصُّدُورُ (غافر:19)؛ وهو خالق الناس جَميعاً والعليم بِما في أنفسهم؛ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ (هود:31)؛ ثُمَّ إلى القارئ الكريِم إنْ كان فهم من كلامي أنِّي أطعن في أئمة
الحرمين أم لا.
أمَّا الذي دعاني إلى اقتراح أنْ تشترط اللجنة المشرفة على تعيين أئمةٍ للحرمين الشريفين أنْ يكون المتقدم سلفي العقيدة؛ هو أنَّ المتقدم بَشَرٌ كغيره من البشر من أهل الإسلام, فقد يَحمل الخير من عقيدة أهل السنة والجماعة, وقد يَحمل من المفاهيم الخاطئة ما الله به عليم - والله أعلم بسرائر الناس وضمائرهم- كما هو حال كثير مِمَّن ينتسبون إلى العلم, فلا بأس بأنْ يَمرَّ على لَجنة تفحص عقيدته وتعاين مفاهيمه؛ خاصة
إذا كانت اللجنة مكونة من أهل العلم الربانيين السلفيين.
فما عليك لو كنت أطبقت فاك على جهلك وقلة فهمك, وقُلْتَ لنفسك: «السلامةُ
في سكوتي», بدلاً من التباهي بِهذه الآفة عافانا الله وإيَّاك منها.
وأنت تعلم علم اليقين - وأَحْسِبُكَ من أهل الفهم لِمعاني كتاب الله - أنَّ أنبياء الله ورسله - صلوات الله وسلامه عليهم أجْمعين- استعاذوا بالله من الجهل؛ وأنَّ الله أعاذ أنبياءه ورسله من الجهل؛ فقال جلَّ من قائل على لسان موسى عليه الصلاة والسلام: أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ (البقرة:67), وقال تبارك وتعالى لنبيه نوح عليه الصلاة والسلام: فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّيۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ (هود:46), وقال لنبيه مُحمد صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه: وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ (الأنعام:35), فكان حَرِيٌّ بك أن تصون نفسك عن أنْ تَتَّصِفَ بِهذه الصفة الذميمة وهي صفة نقص كما يعلم الجميع؛ وإلاَّ لَما ورد ذكرها في الكتاب العزيز على صفة التنفير منها ومن الاتصاف بِها, وأنا إذ أصفك بِها وأسأل الله أن يعافيك منها؛ فلا أصفك بِها مُجازفة؛ ولا أصفك إلاَّ بِما ظهر لي منك؛ وأمَّا طويتك فلا سبيل لي إلى معرفتها, لذلك وصفتك بِما ظهر منك, والسرائر مردُّها إلى الله
تبارك وتعالى.
وما مثلي ومثلك في هذا إلاَّ كمثل الخليل بن أحْمد حين قال لابنه:
لَوْ كُنْتَ تَعْلَمُ مَا أَقُولُ عَذَرْتَنِي أَوْ كُنْتَ تَعْلَمُ مَا أَقُولُ عَذَلْتُكَ
لَـٰـكِنْ جَهِلْتَ مَقَالَتِي فَعَذَلْتَنِي وَعَلِمْتُ أنَّكَ جَاهِلٌ فَعَذَرْتُكَ.
والمسألة الثانية: ثناؤك على قوم ما إخالك تَجهل حالَهم, واعتراضك عليَّ بأنْ تظهر حقائقهم وأنت تعلم أنَّ في المجلس من يَجهل حالَهم. فتأمل هداك الله وأصلح بالك؛ من الناصح ومن الغاش لإخوانه, وقد قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا» وفي رواية «مَنْ غَشَّنَا», ثُمَّ اعتراضك عليَّ أنَّىٰ يكونُ لِيَ أنْ أصنِّفَ فلاناً كذا وفلاناً كذا؟! وأنا كما يعلم الله لا أريد فرض نفسي كمصنف للناس؛ إذ الأولى بكلِّ مسلم أنْ يتشاغل بعيوبه عن عيوب غيره, لكنْ عندما يصل الأمر إلى أن يزكي مثلك من جرحهم كبار علمائنا؛ خاصةً وأنَّ مِنَ الحاضرين من يَجهل حالَهم فأنت بِهذا الصنيع تكون عوناً للباطل على الحق؛ ومن هنا كان واجباً على من عرف بطلان قولك ألاَّ يسكت, بل يبين كلام أهل العلم فيمن زكيتهم في حينه, وإلاَّ كان غاشاً لَهم كما غششتهم أنت عندما
زكيت من تعلم سوء حالِهم, أمْ أنَّ الطيور على أشكالِها تقع.
أمَّا إصرارك على القدح في إخوانك؛ فهو ليس بِجديد عليك, فأنت دائماً كما
عرفتك؛ وكما تصلني أخبارك؛ شديد القدح والطعن في إخوانك جَرْياً على عادة أهل
التَّلَوُّن, بَيْنَمَا تُصَانِعُهُم بوجه غير الوجه الذي تُكِنُّهُ لَهم؛ يا سَلَفِيُّ - زَعَمْتَ - .
وَإِذْ قَدَحْتَ في إخوانك من طلبة الشيخين بقولك: (أنَّه مَا شَوَّهَ سُمعةَ الشيخينِ إلاَّ
طَلَبَتُهُم), فأقول لك: قد كذبت وافتريت؛ وطعنت في الشيخين من حيث لا تعلم.
أمَّا عند طلبة العلم السلفيين فصورة طلاب الشيخين رحِم الله من مات وحفظ الله من بقي, فهي هي بِحول الله وقوته, لَم تتبدل ولن تتغير بإذن الله تبارك وتعالى؛ نَحسبهم أنَّهم على الخير بِمَنِّه وتوفيقه تبارك وتعالى, أمَّا عند من كان على شاكلتك في الجهل وقلة الفهم فهذا أمر طبيعي, فثَمَّ فرق بين من يُجالس العلماء الربانيين السائرين على كتاب الله وسنة رسوله بفهم السلف الصالِح؛ وبين من يُجالس الزَّمْنَى والحمقى
ورُوَّاد القيل والقال.
بَيْدَ أَنَّا لاَ نَدَّعِي العصمة ولاَ الكمال لأَحدٍ أبداً؛ ولاَ يكون انْحرافُ أحدٍ عن المنهج السلفي دليلاً على انْحراف السلفيين عن الحق, لأنَّ الثبات من عند الله تبارك وتعالى يؤيِّدُ
بنصره من يشاء.
وإذ أقول أنَّك طعنت في الشيخين فهذا قد وقع فعلاً, لأنَّ القدح في طلابِهما قدحٌ فيهما وفي أسلوبِهما في تربيتهما لطلابِهما, وهذا تالله لَهو قاسِمة الظهر؛ حينما يُأْتَى
الْمَرْأُ من تلقاء نفسه.
والثالثة من المسائل: ويا لِهولِها من مصيبة -فقد كَبَّرْتُ عليك أربعاً في حينها-؛ وهي إخراجك من جوالك مقطعاً للمغنية (أم كلثوم) وهي تقرأ القرآن, وهذه لعمر الله لَهِيَ ثالثة الأثافي. ما كنت لأصدقها لولا أنِّي رأيت بعيني وسَمعت بأذني أنَّ مثلك مِمَّن يُنَصِّبُ نفسه كطُوَيْلِبِ علم يصدر منه هذا الفعل. وليتك كنت مِمَّن يَجهلون حال هذه المرأة -التي كانت تُحيي لياليها في معصية الرحْمن- لكنت عذرتك والله, ولكن مع الأسف لَم يكن أحدٌ من الحاضرين يَجهلها أو يَجهل حالَها, وإلاَّ لكان الأمر أهون, ألَم تعلم بأن صوت المرأة عورة يا أخي؟!, بلى لا شك أنَّك لا تَجهل ذلك, فما الذي حَملك على تَحميل صوت امرأة -كان حالُها ما ذكرنا- في جوالك, وإن كانت تقرأ القرآن الكريِم؟!!, أتُرَاكَ قد فتنكَ الشيطانُ بِصوتِها؟!!, ألَم تُثبت لكل من كان حاضراً في تلك الليلة أنك جاهلٌ جهلاً مركباً وتظنُّ نفسك على شيء ولا حول ولا قوة إلاَّ
بالله.
سبحان الحي القيوم!! سبحان ذي الملكوت والجبروت!!, سبحان الذي لا تأخذه
سنة ولا نوم!!.
ألَم تقرأ ما أورد شيخنا الشيخ أحْمد بن يَحيى النجمي رحِمه الله في رسالته (تنْزيه
الشريعة عن إباحة الأغاني الخليعة) مِمَّا كُتِبَ في شأن هذه المرأة, حيث أورد بضع أبيات
لِحسن بن علي القاضي وهو يقول ضمن هذه الأبيات:
مَنْ أُمُّ كُلْثُومَ هَذِي أَنْتَ تَبْكِيهَا وَمَنْ بِهَا كَلِفٌ إِيَّاهُ تَنْعِيهَا
مَضَتْ بِمَا قَدَّمَتْ وَﭐللَّهُ سَائِلُهَا عَنِ ﭐلَّذِي كَانَ يَجْرِي فِي نَوَادِيهَا
إِنَّ ﭐلتُّرَاثَ ﭐلَّذِي أَبْقَتْ لَكُمْ فَلَكَمْ أَشْقَىٰ ﭐلْبِلاَدَ وَأَشْقَاكُمْ وَيُشْقِيهَا
كَمْ غَادَةٍ خَلَعَتْ ثَوْبَ ﭐلْحَيَا وَغَدَتْ فِي حُضْنِ مَسْعُورٍ تُغْوِيهِ وَيُغْوِيهَا
صَرْعَىٰ عَلَىٰ نَغَمَاتِ ﭐلنَّايِ قَدْ ذَهُلَتْ كَدُمْيَةٍ بَصَقَ ﭐلشَّيْطَانُ فِي فِيهَا
مَنْ قَالَ إِنَّ ﭐلَّذِي أَسْدَتْ لأُمَّتِهَا مَجْداً فَقَدْ قَالَ بُهْتَاناً وَتَمْوِيهَا
هَبْهَا بَنَتْ جَيْشَ مِصْرَ مِنْ مَكَاسِبِهَا أَوِ ﭐلأَرَامِلَ قَدْ بَاتَتْ تُوَاسِيهَا
أَلَمْ يَكُنْ مِنْ حَرَامٍ كُلُّ مَا جَمَعَتْ وَأَنْتَ بِالشِّعْرِ تَرْجُو أَنْ تُزَكِّهَا
وآخر المسائل؛ كان سؤالي لك عن أسباب بعدك عن طلب العلم؛ وأنت قد وَسَّعَ الله عليك بالمركب وقُرْبِ العلماء وسهولة وصولك إليهم, فأجبتني - وليتك لَم تقل ما قلت حين قلته غير مبالٍ ولا آبهٍ لِمَا تقول- فقلت: «أنَّك مشغول بِخدمة أهلك ومنافعهم». ويا له من عذر باهتٍ كبهوت ألوان أصحاب التَّلَوُّن إن كان لَهم لون يثبتون عليه أصلاً. إذ ما من شخص أعرفه يَحضر دروس الشيخين ومَجالسهما إلاَّ وهو
ذو شغل وذو أسرة ما بين متزوج وأعزب, ولكنَّ الْهِمَمَ متغايرة.
ولك أن تعلم بقول المرتَجِزِ حين قال:
ٱلْعِلْمُ نُورٌ وَضِيَاءٌ يُقْتَبَسْ صَاحِبُهُ مُقَدَّمٌ حَيْثُ جَلَسْ
لاَ يَسْتَوِي ضَوْءُ ٱلنَّهَارِ وَٱلْغَلَس شَتَّانَ مَا بَيْنَ ٱلْحِمَارِ وَٱلْفَرَسْ
ولا أطيل عليك بغية عدم تَمَلُّلِكَ, لأنَّ مثلك لا صنعة له في العلم, ومن لا صنعة
له في العلم كان سريع التَّمَلُّلِ والتَّضَجُّر.
وأقول لك:
يَا رُبَّ كَاسِيَةٍ وَٱلْجِسْمُ عَرْيَانُ خَاطَتْ مَلاَبِسَهَا وَٱلْخَيْطُ نَقْصَانُ
خَلُقَتْ ذَوَائِبُهَا فَاسْتَظْهَرَتْ جِيَفٌ بَانَتْ مَعَايِبُهَا فَٱلْحَالُ خُسْرَانُ
وصلى الله على نبينا مُحمد وعلى آله وصحبه ومن ولاه واتبعه واقتفى آثاره
واهتدى بِهديه واستن بسنته إلى يوم الدين, وسلَّم تسليماً كثيراً.
كتبها أخوك في الله
هَادِي بْنُ قَادِرِي بْنُ حُسَيْن بْنُ مُحَجَّب
27/1/1428هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق